الرباط- يقف عدد من الرجال والنساء أمام محل جزارة بالسوق المركزي بالمدينة القديمة ل لرباط ، في انتظار تجهيز طلبياتهم من اللحوم. يأخذ الجزار كتف خروف، يزنه ثم يخبر الزبونة بالسعر: 600 درهم (نحو 60 دولارا)، تشير برأسها موافقة، وتطلب منه تقطيعه إلى أجزاء قبل أن تدفع وتنصرف. يتوجه الجزار مباشرة لزبون آخر ليلبي طلبا مماثلا.
ومع قرب عيد الأضحى في المغرب، تزايد الطلب على لحوم الخرفان والعجول، بعدما أعلن العاهل المغربي محمد السادس إلغاء ذبح الأضاحي هذه السنة، في رسالة وجهها للمواطنين في فبراير/شباط الماضي.
وتلا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق الرسالة الملكية التي دعت المواطنين إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة، على أن يقوم ملك البلاد بذبحها نيابة عنهم سيرا على السنة النبوية.
وكانت الرسالة عزت القرار إلى التحديات المناخية والاقتصادية التي أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية، مشيرة إلى أن القيام بهذه السُنة في الظروف الصعبة التي تشهدها المملكة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من المواطنين، لا سيما ذوي الدخل المحدود.
وكان وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أعلن في الشهر نفسه تراجع أعداد القطيع الوطني من المواشي بـ38 % مقارنة بسنة 2016، تاريخ تنظيم آخر إحصاء وطني في القطاع الزراعي.
استقبل المواطنون القرار بترحيب كبير، واعتبروه خطوة لحماية القطيع المحلي والقدرة الشرائية للأسر في ظل الأسعار الملتهبة التي عرفتها الأضاحي العام الماضي، وقرروا الحفاظ على روحانية هذه المناسبة ومظاهرها الاجتماعية رغم التزامهم بقرار عدم الذبح.
ومع اقتراب العيد الذي يحل في المغرب غدا السبت، تزايد الإقبال على شراء لحوم الخرفان من المجازر، إضافة إلى شراء الكبد والأحشاء والأعضاء الأخرى، ونجم عن ذلك ارتفاع في الأسعار.
وبلغ سعر كيلو لحم الخروف، في مجازر السوق المركزي بالعاصمة، 140 درهما (نحو 14 دولارا)، أما ثمن كيلوغرام من الكوطليط (ريش الخروف) فبلغ 150 درهما (نحو 15 دولارا)، وبلغ يعر لحم العجول 120 درهما (نحو 12 دولارا)، واتجهت أسر أخرى لشراء اللحوم البيضاء، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، فبلغ سعر الكيلوغرام من لحم الدجاج 20 درهما (دولارين).
مثل معظم المواطنين، لم يشتر أحمد بنسنينة -وهو رب أسرة مكونة من 4 أفراد- الأضحية امتثالا للدعوة الملكية وتفهما للظروف الاقتصادية والمناخية التي تمر بها البلاد، لكن ذلك لا يعني في نظره الاستغناء عن مظاهر وتقاليد الاحتفال بالعيد سواء الدينية أو الاجتماعية.
اشترى بنسنينة 4 كيلوغرامات من اللحم الخاص بالشواء وكتف خروف، وذلك لطهو وجبتي الغداء والعشاء يوم العيد، إذ يجتمع مع عائلته الكبيرة التي تضم والديه وشقيقه وشقيقته وأسرتيهما.
يقول بنسنينة "سنؤدي صلاة العيد ونجتمع في جو عائلي حول أطباق الشواء كما تعودنا السنوات الماضية".
من جانبه، يرى رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك بوعزة الخراطي أن تهافت المواطنين خلال الأيام التي تسبق عيد الأضحى على شراء لحوم الأغنام أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وقال للجزيرة نت إن من أهداف القرار الملكي بعدم الذبح في العيد هو تخفيف الأعباء المالية على الفئات الهشة والفقيرة. لكن هذا التهافت على شراء اللحوم -في نظره- أدى إلى رفع الأسعار والإضرار بهذه الفئات.
واستغرب المتحدث قائلا: "ابتهج المواطنون بإلغاء الذبيحة، لأن ذلك أعفاهم من هَم توفير مبلغ كبير لشراء الأضحية، لكن إقبال الناس الكبير على شراء الأحشاء واللحوم، ولجوء بعضهم إلى شراء خرفان مذبوحة، أعاد الضغط على السوق".
وحسب ما أفاد به بعض الجزارين، فقد تراوح سعر أحشاء وكبد الخروف -التي تستهلك تقليديا خلال أيام عيد الأضحى- ما بين 450 و600 درهم (بين 45 و60 دولارا) وهي أسعار غير مسبوقة.
رغم إلغاء الذبح، فإن كثيرا من المغاربة يحرصون على الحفاظ على المظاهر والتقاليد المرتبطة بالعيد، من تحضير وجبات تقليدية مثل الطاجين باللحم والبرقوق المجفف والشواء على الفحم، في المقابل، لم تستطع فئة قليلة منع نفسها من شراء الخروف سرا أياما قبل العيد، وذبحه خفية عن الجيران وعن أعين السلطات.
تقول رشيدة أم تسنيم -التي تقيم في مدينة الدار البيضاء- إنها اتفقت مع الجزار على أن يشتري لها خروفا ويذبحه ويقطعه إلى أجزاء، فهي كما تقول لا تستطيع وأسرتها قضاء عيد الأضحى بدون العادات الغذائية المرتبطة بهذه المناسبة.
وأطلقت السلطات حملات رقابية واسعة لمنع الذبائح السرية، وشددت على مراقبة مداخل المدن لمنع بيع الخرفان المخصصة للذبح في عيد الأضحى في الأحياء الشعبية والأسواق القروية وأيضا في الأسواق الكبرى داخل المدن، ونقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن مصادرة السلطات شاحنات في مداخل المدن كانت تنقل خرفانا لبيعها أضاحي.
خلافا للسنوات الماضية، غابت عن الشوارع مظاهر الاستعداد لعيد الأضحى، فلا يوجد باعة موسميون للفحم والأعلاف والبصل، ولا ازدحام على شراء السكاكين ولوازم الشواء. ومنعت السلطات الباعة المتجولين من بيع السلع المرتبطة بشعيرة النحر.
في المقابل، استمرت مظاهر أخرى، مثل شراء الملابس التقليدية والحلويات، ففي السويقة مثلا (وهي تصغير سوق) في المدينة القديمة للرباط، رصدت الجزيرة نت حركة نشطة في محلات بيع الجلابيب، في حين حرص أصحاب المحلات على عرض جديد الصناعة التقليدية لجلب الزبائن.
ويقول عمر الخنشوفي -وهو خياط تقليدي- إن العمل مكثف في ورشته مثل السنوات الماضية، حيث وضعت زبوناته الأثواب بهدف خياطتها لارتدائها في العيد أثناء الزيارات العائلية، لافتا إلى أن عديدا من المواطنين يسافرون إلى عائلاتهم البعيدة مرة في السنة وتتزامن مع عيد الأضحى المبارك.
وشهدت المخابز عروضا وتشكيلات متنوعة من الحلويات التقليدية، في حين اصطفت ربات البيوت أمام بائعي لوازم الحلوى لشراء مستلزمات إعداد الحلويات في البيت مثل الغريبة والصابلي وكعب الغزال وغيرها.
وليست هذه المرة الأولى التي يلغي فيها المغرب شعيرة النحر في عيد الأضحى، إذ ألغيت 3 مرات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني سنوات 1963 و1981 و1996 بسبب الجفاف والأزمات الاقتصادية.
وشهد المغرب سنوات جفاف متتالية كان لها تأثير على القطيع الوطني من الماشية وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
وكانت أسعار الأضاحي قد بلغت العام الماضي أرقاما قياسية اشتكى منها المواطنون، إذ تراوحت ما بين 200 و700 دولار، حسب تقرير أنجزه المركز المغربي للمواطنة (هيئة مدنية).
وتجاوز عدد المواشي المعروضة في عيد أضحى العام الماضي 7 ملايين رأس، في حين أن الحاجيات بلغت 6 ملايين رأس.
وكان تقرير للمندوبية السامية للتخطيط حول ﻧﻔﻘﺎت وﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺷﻌﺎﺋر ﻋﯾد اﻷﺿﺣﻰ، قد أظهر أن أضحية العيد تمثل نحو 30% من إجمالي النفقات السنوية للأسر المغربية المخصصة لاستهلاك اللحوم.
وحسب المصدر نفسه، يبلغ متوسط كمية اللحوم المستهلكة من أضحية عيد الأضحى 22.8 كيلوغراما لكل أسرة، وهو ما يمثل نحو 41 % من الكمية السنوية من اللحوم الحمراء التي تستهلكها الأسر.