آخر الأخبار

رغم القوانين ومراكز الدعم.. العنف ضد المرأة في تونس لم يتوقف

شارك
تظهر الصورة غرافيتي مكتوب عليها "القانون 58 يحمي المرأة من التحرش الجنسي ويعتبره شكلا من اشكال العنف ضد المرأة". الموقع: تونس العاصمةصورة من: Soumaya Marzouki/DW

كانت تعتقد أن البيت الذي يجمعها بزوجها طبيب الأسنان سيكون ملاذها آمنا ، فإذا به يتحول إلى أكثر الأمكنة خطورة على حياتها. في لحظة عنف طائش، سدد لها زوجها طعنة بسكين كادت أن تودي بحياتها، لكنها نجت من الموت بأعجوبة بعد ان خضعت لعملية جراحية في المستشفى فيما انتهى المطاف بزوجها خلف القضبان بتهمة محاولة القتل.

حدثت الجريمة في شهر مايو/آيار قبل أيام من تحرير التحقيق، لكنها ليست الجريمة الوحيدة الصادمة في الشهر ذاته، ما يلقي بأسئلة جوهرية حول تفشي العنف ضد النساء في تونس رغم أنها دولة متقدمة في المنطقة العربية من حيث التشريعات والقوانين المجرمة لمثل هذا النوع من الانتهاكات والجرائم إلى جانب مبادرات الدعم ومراكز الإنصات التي وضعت لتلقي الشكاوي.

هل تحول العنف إلى مشهد مألوف؟

تكشف أحدث بيانات عرضتها وزارة الأسرة والمرأة وجمعية "أصوات تونس"، عن تضاعف جرائم القتل ضد النساء بنسبة أربع مرات بين عامي 2018 و2024 لتصل الى 26 جريمة قتل. كما تكشف البيانات أيضا عن تورط الأقارب الذكور مثل الزوج أو الأخ او الأب وحتى الابن، في أكثر من 70 بالمئة من تلك الجرائم.

مع ذلك فالنزيف لا يتوقف، فقد صدرت نتائج التقرير، بموازاة جريمتين هزتا الرأي العام في تونس وأكدتا المنحى الخطير والمقلق لظاهرة العنف حد القتل ومن نفس الجهات الفاعلة لهذه الانتهاكات.

تظهر الصورة محكمة صورية نظمتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات للتوعية والتنديد بقتل النساءصورة من: Soumaya Marzouki/DW

إحداها راحت ضحيتها محامية عثر على جثتها متفحمة ملقاة في وادي بجهة منوبة قرب العاصمة وقد باشرت السلطات تحقيقات مع أقاربها، حيث تحوم الشكوك تجاه الدائرة الضيفة لعائلتها.

أما الضحية الثانية فقد قتلت على يد زوجها في شهر أبريل/نيسان الماضي طعنا بالسكين قبل أن يلوذ الفاعل بالفرار ويترك زوجته غارقة في بركة من الدماء وابنة تشكو من جروح خطيرة.

وفق الأستاذ والباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين، فإن تفشي ظاهرة القتل العمدي للنساء رغم وجود ترسانة قانونية لحماية المرأة، ينطوي على إشكاليات سوسيولوجية عميقة ترتبط بالتحولات الاجتماعية والقيمية والمؤسساتية.

ويوضح الباحث لـDW عربية يبرر الجناة في الغالب جرائمهم بحجج ترتكز على "الشرف"، "الغيرة"، أو "الإحساس بالخيانة"، "وهو ما يكشف عن حضور ذهني لثقافة تبرر العنف الذكوري بوصفه أداة لضبط السلوك الأنثوي. في بعض الحالات، تمثل الجريمة كفعل "مشروع" أو "مفهوم" اجتماعيا، خصوصا في الأوساط المحافظة أو الهشة".

وتصبح المعاناة مضاعفة، عندما ينظر في الغالب إلى الضحايا من قبل بعض الفئات الاجتماعية بنوع من "تحميل المسؤولية"، مما يؤدي، حسب الباحث، إلى مزيد من تهميشهن وعجزهن عن اللجوء المبكر إلى الحماية .

وينطبق هذا الحال على "نجيبة" التي تنحدر من منطقة ريفية قرب مدينة القيروان بوسط تونس. وقد تحدثت المرأة الأربعينية إلى DW عربية باسم مستعار لدواع أمنية ترتبط بسلامتها، عن معاناة قديمة ومستمرة مع شريك حياتها وابن عشيرتها الذي يكبرها بعشر سنوات، بدأت منذ زواجها التقليدي في العشرين من عمرها.

تروي نجيبة صدمتها عندما بدأت تلحظ سلوك زوجها العنيف بعد أسابيع قليلة من الزواج. وحتى مع إنجابها لطفلها الأول لم تهدأ وتيرة العنف والضرب لخلافات هامشية. وعندما حاولت الانفصال لم ترحب عائلتها المحافظة بهذا القرار إلى أن طفح بها الكيل فقررت تناول مبيدا للقوارض كاد أن يخطف روحها لولا نجدة الأطباء في قسم الطوارئ.

وتقول نجيبة وهي تروي قصتها بنبرة صوت يكسوها الحزن والانكسار "كانوا في العائلة يقولون لي إن الضرب جزء من الحياة الزوجية وكلنا مررنا بنفس التجربة ومع مرور الوقت سيزول كل شيء".

لكن الوضع تحول إلى دوامة قد لا تنتهي بالنسبة إليها، لهذا قررت أن تجرب الاتصال بمراكز الإنصات لضحايا العنف من النساء لعرض مشكلتها علها تعثر على حل.

تظهر الصورة الدور الهام للمجتمع المدني في مكافحة العنف ضد المرأة من خلال دعم الضحايا والمطالبة بإجراء تغييرات على المستوى التشريعي والاجتماعي.صورة من: Soumaya Marzouki/DW

مراكز الإنصات: هل هي الحل؟

تضع جمعية "أصوات نساء" التي تعمل بالشراكة مع الاتحاد الاوروبي للتوعية بالعنف ضد النساء ودعم برامج للحماية من آثاره، رقما هاتفيا لـ"مركز ناجية" الذي يتبعها لتلقي شكاوي النساء ضحايا العنف ولا سيما العنف الجنسي والأنصات إليهن وتقديم الدعم لهن.

يعمل المركز طيلة أيام الأسبوع بين الساعة التاسعة صباحا وحتى الرابعة ظهرا، باستثناء يومي السبت والأحد. لا تزال تجربة المركز حديثة، حيث أعلن عن افتتاحه في فبراير/شباط 2025، وهو يقدم نفسه كخطوة أولى في هذا المجال داخل المجتمع المدني . مع ذلك لم يكن من السهل التواصل مع المشرفين عليه والاطلاع على عمله عن كثب، بينما يتلقى رقم الاتصال طلبات على مدار الساعة.

تنقلت DW عربية إلى عنوان مقر الجمعية المشار على موقعها الرسمي على شبكة الانترنت لكن تبين أنها انتقلت إلى مقر جديد دون أن يتم تحديث العنوان.

بعد محاولات متكررة للاتصال مرارا. نجحنا في نهاية الأمر في عرض شكوى لإحدى ضحايا العنف الذكوري على الرقم المخصص للانصات، لفهم المسار الذي ستتبعه الشكوى. وكان رد العضوة المكلفة بتلقي الملاحظات بضرورة تنظيم موعد مع الأخصائية النفسية أو المحامي.

في الواقع لا يعد "مركز ناجية" الأول في تونس. هناك أمر حكومي (عدد 582) يعود الى عام 2020 يتعلق بتأسيس وتسيير مراكز تتعهد بالنساء والأطفال ضحايا العنف. ويعرف الأمر هذه المراكز كمؤسسات تقدم خدمات شاملة تشمل الإنصات والاستقبال والإرشاد القانوني والمرافقة والمتابعة الصحية والنفسية والإيواء والإدماج الاجتماعي والاقتصادي.

وقبل ذلك ومنذ 2008، خصصت "وزارة المرأة والأسرة والطفل وكبار السن" الخط الأخضر (1899) للإنصات والإرشاد وتوجيه النساء ضحايا العنف. كما تم إطلاق المنصة الرقمية "آمنة" التابعة للمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة ، لتلقي الإشعارات على شبكة الانترت في سرية تحفظ هوية الضحايا.

ومنذ آب/أغسطس 2024 بدأت جمعية "أمان للأسرة والطفل" غير الحكومية، بتلقي إشعارات يومية تتراوح بين خمس و10 مرات من نساء معنفات، عبر الهاتف وعبر الصفحة الرسمية على فايسبوك، حيث تتولى الجمعية الإنصات وتوجيه الضحايا نحو الخطوات القانونية التي ينبغي عليهن اتباعها.

ويكشف رئيس الجمعية رضا المرواني لـDW عربية "أغلب الضحايا المتصلات هن كوادر وموظفات تعرضن للتحرش الجنسي من طرف رؤسائهن في العمل ويخفن من تقديم شكاوى خشية الانتقام منهن بنقلات تأديبية أو تغيير مراكزهن الوظيفية، في قطاعات مثل التعليم أو الشركات الكبرى".

ومن جهة أخرى، يفيد المرواني وهو رجل أمن متقاعد عمل سنوات ضمن فرقة مختصة في البحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل، أن هناك ضحايا يفضلن الصمت خشية فقداهن المأوى بسبب أنهن لا يملكن بديلا عن بيت الزوجية.

وتسعى الجمعية الآن إلى تأسيس مركز إيواء مؤقت في الجهات النائية في البلاد، حيث يطارد المراة المعنفة الوصم الاجتماعي ويمنعها من التقدم بشكوى رسمية لنيل حقوقها رغم ترسانة القوانين التي وضعتها الدولة منذ عقود.

محكمة صورية من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ضد جرائم قتل الإناثصورة من: Soumaya Marzouki/DW

تشريعات قوية وتطبيق ضعيف

في العام 2017، صادقت تونس على القانون الأساسي عدد 58، الذي يعد أحد أكثر القوانين تقدما في المنطقة المغاربية والعربية. يجرم القانون كل أشكال العنف ضد المرأة (الجسدي، النفسي، الاقتصادي، السياسي والجنسي).

ألغى القانون كل الأحكام التي كانت تسمح في السابق بإنهاء إجراءات التتبع في حق الجناة إذا سحبت الضحية شكواها. وألغى أيضا الأحكام التي تمنح للمعتدين فرصة الإفلات من العقاب أو تخفيفه مثل ما هو الحال في إعفاء المغتصب من العقوبة إذا تزوج ضحيته.

وعلاوة على ذلك ينظم القانون أحكاما للوقاية والحماية والتقاضي كما يضمن حصول الضحايا على حق الإيواء بعيدا عن منزل الزوجية.

لكن يواجه القانون عقبات في تطبيقه تتعلق الأولى بأنه لا يزال مجهولا لدى أغلبية ضحايا العنف من النساء، وهو ما تقره دراسة أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والمعلومات عن المرأة (الكريديف) التابع لوزارة المرأة عام 2019.

وتشير أيضا منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى افتقاد القانون ومن ورائه الدولة للموارد المالية الكافية لتطبيقه بالشكل الأمثل، إلى جانب المواقف الإشكالية داخل جهازي الشرطة والقضاء، الأمر الذي يؤدي، وفق ملاحظتها، إلى تناقضات تسببت في فشل تعامل الدولة مع العنف الأسري.

ويلخص الأستاذ والباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في حديثه معDW عربية، أسباب تعثر السياسات العمومية في هذا المجال، إلى ضعف الحماية العاجلة للضحايا وبطء الإجراءات القضائية وضعف التكوين الخاص بالقضاة ورجال الأمن ومحدودية المراكز المختصة في الاستماع والإيواء.

ويختم الباحث في ملاحظته "السياسات العمومية غالبا ما تكون ذات طابع زجري (ردعي) أكثر منها وقائي (استباقي)، ولا توجد إلى حد الآن برامج وطنية واسعة للتربية على المساواة ونبذ العنف داخل المؤسسات التربوية والثقافية".

سمية المرزوقي ـ تونس

تحرير: عبده جميل المخلافي

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار